[26/يناير/2011] سقطرى ـ سبأنت: صادق ناشر
بدأت رحلة
التعرف على سقطرى انطلاقاً من المتحف الذي يقع بالقرب من حديبو العاصمة،
كانت السيارات التي أقلت الفريق المكون من 20 "فضولياً"، المحب للمعرفة،
والمتشوق للجزيرة، تفرغ حمولتها من الركاب في المتحف الذي يرأسه محمد عامر،
أحد أبناء الجزيرة الذين يطالبون بإحداث نقلة نوعية في حياة أبناء
الجزيرة.
في متحف سقطرى
المتحف كان بسيطاً،
لكنه مليء بالمعلومات، زاخر بالمعرفة، فقد بذل فيه الكثير من الجهد ليخرج
إلى النور، كانت مهمة محمد عامر هو تعريف الزائرين بما تحويه الجزيرة من
حياة طبيعية في السهل والجبل والبحر، من أشجار وطيور وحيوانات وأسماك بحرية
وغيرها، وقد تدافعنا للاستماع إلى الشرح الذي قام به محمد عامر وموظف آخر
في المتحف يدعى عبد الرقيب عن "كنز سقطرى".
يقول عامر في حديث مع
"السياسية" إن جزيرة سقطرى هي جزيرة بيئية بشكل عام، وهي مصنفة كرابع جزيرة
بيئية في العالم، وخلال العشر السنوات الماضية تم إنشاء فرع في الجزيرة
تابع للهيئة العامة لحماية البيئة، كما تم جذب الكثير من المنظمات الدولية
إلى الجزيرة خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث تم التركيز على النبش في
مخزون سقطرى من حيث التنوع الفريد الذي تمتاز به.
وجد الباحثون
والمنظمات الدولية في سقطرى ما يبحثون عنه، بل وأكثر، برأي عامر فإن
النتائج كانت "مذهلة"، لقد وجد الخبراء والباحثون الذين تقاطروا على
الجزيرة لدراسة جغرافيتها وبيئتها أن سقطرى عالم آخر تماماً، يضيف عامر إن
الخبراء وجدوا في سقطرى ما لم يجدوه في مكان آخر، واعتبروها من أندر
المناطق وأكثرها حيوية في العالم.
يشير عامر إلى أنه "تم اكتشاف
ثلاثمائة وثمانية أنواع من النباتات النادرة في سقطرى، كما تم تسجيل عشرة
أنواع من أنواع الطيور التي لا توجد إلا في سقطرى، إضافة إلى جوانب أخرى
مثل الحشرات والفراشات، ويقول إن أنواع الحشرات في الجزيرة متكاملة
تقريباً، أي أنها حشرات مستوطنة، وهناك التنوع الفريد في البحر مثل الأحياء
السمكية والشعب المرجانية، بالإضافة إلى المناخ أو التربة كجيولوجيا.
فكرة
إنشاء المتحف جاءت ثمرة تعاون بين الحكومة اليمنية ممثلة بالهيئة العامة
لحماية البيئة وحكومة تشيكيا، كانت البداية تتمثل في تجميع عينات مختلفة
سواءً كانت عينات حيوانية أو حشرية على أساس يتم تحنيطها في معامل في دولة
تشيكيا ومن ثم توضع في أماكن آمنة لتبقى لمدة طويلة قبل أن تتم إعادتها إلى
سقطرى تكون متاحة للزوار والمحبين لمعرفة سقطرى وما تحويه من تنوع نباتي
وحيواني وسمكي وجيولوجي.
ويشير عامر إلى أنه، بموجب المشروع، تم تحنيط
ما تسير من الحشرات والحيوانات وتم وضعها في المتحف القائم اليوم في سقطرى،
بحيث يتمكن من خلالها الزائر أن يتعرف على نماذج من البيئات المختلفة
لجزيرة سقطرى، وهو ما تمكنا من معرفته أثناء الشرح الذي احتوته غرفتان
صغيرتان ضمتا كل شيء تقريباً.
على الرغم من الإنجازات التي تحققت في
هذا المجال فإن عامر السقطري يرغب في المزيد، يقول في هذا الخصوص
لـ"السياسية": "الهيئة العامة لحماية البيئة ومعها وزارة المياه والموارد
البيئية بذلت جهداً غير عادي، لإنجاز المشروع، بخاصة وأن الجزيرة كانت
تعتبر خلال الفترة الماضية منطقة معزولة تماماً، فقد جاء الزخم البحثي
للتعريف بسقطرى ليكون معرفاً بتأريخ الجزيرة، ووصلت التلفزة العالمية إلى
سقطرى، حيث تم الترويج لسقطرى على أنها منطقة هامة لغرض جلب السياحة
النوعية"، ويشير إلى أن "السقطريين يريدون سياحة نوعية وليست سياحة
مفتوحة".
يحتاج المتحف القائم اليوم إلى توسعة أكبر وإلى طريقة أفضل في
العرض وإلى إمكانية أكبر لتحويله إلى متحف مفتوح يكون قادراً على إشباع
المهتمين بتأريخ جزيرة سقطرى، مثل هذه المشاريع تحتاج جهداً كبيراً من
الدولة، بالإضافة إلى رجال الأعمال، الذين بإمكانهم أن يكتبوا بتعاونهم
تأريخاً جديداً لسقطرى.
لا تبدو المهمة مقصورة على الهيئة العامة
لحماية البيئة، رغم أن ذلك يدخل في صميم عملها، ويدرك الأستاذ عبد الرحمن
فضل الإرياني، وزير المياه والبيئة هذه القضية، وهو يبدي تعاوناً مع
السلطات المحلية لجزيرة سقطرى، إلا أن ميزانية الوزارة لا تسمح بذلك فقد
انخفض مخصصها السنوي من 26 مليون ريال إلى 16 مليون فقط، وهذا مبلغ لا يفي
لتنفيذ مشاريع طموحة.
كيف تتوزع سقطرى من حيث التنوع في مناطقها
الجبلية منها والسهلية، وهل نجحت السلطات المحلية بتقديم الجزيرة على الوجه
الأفضل لزائريها؟
تبدو السلطة المحلية مكتفة الأيدي في تنفيذ مشاريع
عملاقة، فالذي يتجول في مناطق الجزيرة بين شرق وغرب وشمال وجنوب، يجد أن
الطبيعة لا تزال هي صاحبة الكلمة العليا في الجزيرة، فيد الدولة لا تزال
قصيرة وعينها ليست بصيرة، بعض المناطق التي تمتاز بمناظر خلابة تختفي فيها
المشاريع التطويرية بشكل كامل.
لا يخفي البعض من أبناء سقطرى رفضه من
هجمة مدنية لقلب الجزيرة وتغيير ملامحها، فهذا البعض يفضل كما لو أن
الأشياء تبقى كما هي دون تغيير؛ لأن المشاريع التطويرية، برأيهم، يمكن أن
تقضي على الكثير من مميزات الجزيرة، بعض من المرافقين لنا أثناء صعودنا إلى
كهف يدعى "حُق" كان يغضب عندما يرى بعض السياح والزوار اليمنيين يرمي
بقناني المياه الفارغة على الطريق، فبرأيه يعد هذا تشويها للبيئة، رغم أنه
لا يبدو عليه أنه تعلم تعليماً عالياً، لكنه يرى أن السكوت على هذه
التصرفات يقتل البيئة التي حافظ ويحافظ عليها السقطري طوال حياته.
تبدو
غيرة السقطري على جزيرته كبيرة، لهذا خصصت السلطات المحلية محميات طبيعية
تكون هدفاً للسائح الأجنبي والزائر اليمني، حيث تم التعرف على هذه المناطق
بواسطة أبناء الجزيرة والباحثين الذين قسموا الجزيرة إلى مجموعة من
المحميات البحرية والجبلية ذات التنوع الفريد في طبيعتها، خاصة تلك المناطق
التي توجد فيها نسبة عالية جداً من النباتات المتوطنة، وعددها قليل مقارنة
بمساحة سقطرى.
يقول عامر إنه تم تحديد مستويات لهذه المحميات، المستوى
الأول يتمثل في المحميات الطبيعية. والمستوى الثاني هي مناطق الموارد
الطبيعية. أما المستوى الثالث فيتمثل في المتنزهات الوطنية ومناطق
الاستخدام العام، حيث حددت المناطق السكانية للتمدد المستقبلي، وهي مناطق
بإمكان السكان أن يبنون ويحفرون في التربة، ماعدا ما يتصل بالصناعات
الثقيلة الملوثة للبيئة.
إقبال أجنبي
لكن
ماذا يجذب السائح في سقطرى؟ يقول عامر إن سقطرى بكاملها تجذب السائح
والزائر، لكن برأيه هناك أذواق مختلفة للسياح، فالبعض يهوى البحر للسباحة،
حيث يمتاز بحر سقطرى بالشواطئ الرائعة جداً، كما أنها نظيفة، وهي تجذب
الراغبين في هذا النوع من السياحة، وهناك نوع من السياح تستهويهم المناظر
الطبيعية، وتنوعها هي الأخرى فريد، سواء جيولوجي أو نباتي أو تكوين الجبال
وطبيعية المناخ الموجود في سقطرى، فسقطرى على رغم صغر مساحتها، والكلام
للسقطري عامر، فيها اختلاف كثير في مناخها، هناك مناطق تكون حارة نسبياً في
أوقات الصيف ومناطق باردة في الفصل نفسه.
طوال الأيام الثلاث التي
قضيناها في جزيرة سقطرى كان الأجانب يملؤون الفنادق والمحميات البرية
والبحرية، كان هناك العشرات، إن لم يكن المئات من الإيطاليين والفرنسيين
وغيرهم يتجولون في الجزيرة، باحثين عن متعة لا يجدوها في بلدانهم، كان
الفندقان الرئيسان في الجزيرة ممتلئين بنزلائهما، وكان السقطريون ممن
يتحدثون لغات أجنبية، يحيطون بهم ويشرفون على تنظيم برامج سياحية متميزة
لهم في الجزيرة.
لم يكونوا، ونحن أيضاً، لنبقى في غرف الفندق إلا عند
المبيت، فقد كان الفندق الذي نزلنا فيه، مبنى لدار الضيافة في عهد الحزب
الاشتراكي اليمني الذي كان يدير جزيرة سقطرى من عدن، وقد جرى تغييره بشكل
كامل من قبل أحد المستثمرين، وتحول إلى فندق عصري، حديث يوفر لنزلائه
الخدمات التي يطلبها أي نزيل، فغرف الفندق رغم أنها صغيرة، إلا أنها نظيفة
ومرتبة وتؤدي الغرض، وهناك مطعم يوفر على مدار الساعة ما يحتاجه النزيل.
لكن
ما يسيء إلى الفندق الجميل هو ذلك الطريق السيئ الذي يصله بالمدينة، إن
هذا يسيء إلى الفندق، وأعتقد أن من يستثمره قادر على رصف الطريق إليه، وهو
طريق لا يتعدى طوله خمسمائة متر لا غير، كما أن حلول الظلام في ظل غياب
الكهرباء يحول الفندق إلى مكان مظلم، مع أن المنطقة آمنة ولا خوف من وقوع
أية حوادث أمنية.
يقع "فندق سمرلاند" في قلب مدينة حديبو، العاصمة،
وأسعار الغرف فيه تبدو معقولة للأجنبي أكثر من اليمني، الذي يحتاج إلى
أسعار خاصة ليتحول إلى مقصد سياحي للجميع، ولا بد أن يترافق ذلك مع تخفيض
أسعار تذاكر الطيران حتى تصبح السياحة في الجزيرة أمراً ممكناً.
لا
يبدو أن هناك خوفاً على السياح الأجانب في سقطرى، فهم يتجولون بحرية محاطون
بحب السقطريين الذين يتعاملون معهم بنوع من الألفة حيثما ذهبوا، فهم يجدون
الاهتمام الكبير من أبناء الجزيرة، فتراهم يسيرون بدون حراسات أو أطقم
عسكرية، رأينا العشرات من السياح وهم يتناولون الطعام في بعض المطاعم
الشعبية في الجزيرة، رغم قلتها، كما كانوا أيضاً يتواجدون في الأماكن التي
تشكل مصدر جذب سياحي كبير من دون أية مظاهر عسكرية.
في محمية "ذي حمري"
كان العشرات من السياح يستلقون على شاطئ البحر والبعض منهم كان يحتمي داخل
خيم نصبت في المكان، لتناول الطعام أو لتغيير ملابس السباحة، لكن معظم
السياح في الجزيرة وممن التقيناهم في محمية ذي حمري كانوا من كبار السن،
أمام أولئك الذين كانوا يتسلقون جبلا لمدة ساعتين تقريباً للوصول إلى كهف
"حُق" فقد كانوا من الشباب.
في محمية ذي حمري
تبدو
محمية "ذي حمري" منطقة جاذبة للسياح الأجانب، كما حال مناطق أخرى مثل
"عرهر" ذي الشاطئ الساحر والجميل، والوصول إليها يتطلب قطع مسافة تصل إلى
أكثر من نصف ساعة بسيارة "لاند كروزر"، وهي السيارات التي تستخدم في الغالب
في الجزيرة، قبل نحو خمسة كيلومترات من الوصول إلى المحمية ينقطع الطريق
الإسفلتي، فيضطر سائقو السيارات المهرة إلى التعامل مع طرق ترابية للوصول
إلى المحمية.
كان معنا شاب سقطري نبيه يدعى "نور الدين"، كان مثل غيره
من الشباب السقطري الذين توزعوا على سيارات تقل الفريق الزائر، كان "نور
الدين" يجيد الحديث عن خصائص الجزيرة وعن عادات وتقاليد أبنائها، كان يتحدث
عن بعض المعالم التي تركها "الإخوة الأعداء" قبل الوحدة، في إحدى المناطق
استوقفنا "نور" ليرينا ما صار يعرف في سقطرى بمجزرة وقع ضحيتها عدد من
أبناء جزيرة سقطرى عام 1974، بعد الوحدة تم عمل لوحة كتب عليها أسماء
الضحايا وزمان ويوم المجزرة، كان هذا المكان يقع قبل كيلومترات قليلة من
الوصول إلى محمية "ذي حمري".
في الطريق إلى المحمية كان نور الدين،
الذي يملك وكالة للسياحة يتولى بنفسه ترتيب الزيارات ومواعيد وأماكن تناول
الطعام للفريق، كنا أحياناً نصمت لنسمع ما يدور بينه وبين بعض زملائه من
حديث باللهجة السقطرية، فلا نفهم شيئاً، وكان يدفعنا الفضول لمعرفة ذلك،
فيقوم بشرح طبيعة الحديث بينه وزملائه.
كان "نور" ودوداً، لا يرفض الرد
على أي سؤال، وطوال الطريق كنا نمطره بالأسئلة عن عادات وتقاليد أبناء
الجزيرة، والمناطق التي تمتاز بها، وكانت هناك في الرؤوس سؤال عما يتردد عن
وجود السحر في سقطرى، كان هذا الموضوع قد حذرنا منه بعض الأصدقاء في
صنعاء، أحدهم قال لي إن الجن في سقطرى يسيرون معك أينما ذهبت، بل أنه ذهب
إلى أكثر من ذلك بالقول إن الجن يرفعونك من على الأرض وأنت تمشي عليها.
ويؤكد ثان أن المبيت في جزيرة سقطرى مستحيل وأن من يزورها يعود في نفس
اليوم ولا ينام فيها أبداً، رد علينا "نور الدين" مثلما توقعنا، ليس هناك
ما يخيف ولا صحة لما يتردد عن الجن والسحر والشعوذة في جزيرة سقطرى، وفسر
نور هذه الأنباء إلى عهود ماضية عندما كان يتم نفي البعض من عدن أيام
الاستعمار البريطاني إلى جزيرة سقطرى، حيث يختفي هناك، ولكن بفعل الإنسان
وليس بفعل الجن وغيرها من الأوهام.
بين الطريق الإسفلتي ومحمية "ذي
حمري" طريق ترابي ترفض السلطات المحلية تعبيده، وحتى السياح يرون في بقائه
أفضل مما لو تم تعبيده أو رصفه، لأنه يبعد عن المحمية توحش المدنية، البعض
يقول إنه لو تم تعبيد الطريق بالإسفلت فإن ذلك سيقضي على خصائص المحمية
البحرية، التي لا تزال متروكة كما هي بدون تدخل أحد.
في الطريق إلى
محمية ذي حمري تتناثر المنازل المبنية من الحجر وبجهود محلية هنا وهناك،
يستقبلك الصغار بالتحيات من أيديهم والكبار بابتسامة تعبر عن الترحيب، هم
يعلمون أن الجزيرة صارت مقصداً للزوار، خاصة في هذه الأيام حيث الجو جميل
وبديع، وطوال رحلتنا التي استمرت لثلاثة أيام لم نجد متسولاً في الجزيرة،
أو من يطلب منك نقوداً، حتى أن مسؤولاً محلياً لام بعض الزملاء ونحن في
قلنسية قبل عودتنا إلى صنعاء، عندما قام بمنح بعض الصغار نقوداً حتى لا
تكون سابقة فيتعود الصغار على طلب النقود من السياح.
رغم فقر الناس فإن
التسول يدخل ضمن العيب في جزيرة سقطرى، ولا تجد طفلاً أو مسناً يمد يده
للغريب القادم من خارج سقطرى، الأمر لا يتعلق بالغنى والفقر، لكنه يدخل في
صميم السلوك بالنسبة لابن سقطرى، الذي لم تؤثر عليه نوائب الدنيا.
قضينا
نهاراً جميلاً في محمية "ذي حمري" في أول يوم وطأت فيه أقدامنا أرض
الجزيرة، هناك تناولنا الغداء، بحسب ما كان مخططاً له، كان منظر البحر في
المحمية لا يوصف، استنشقنا هواء نقياً لأول مرة في بحر بلا ملوثات، لدرجة
دفعت بالأستاذ توفيق جابر، سفير تونس ومحمد الأمين، سفير موريتانيا،
للاقتراح بالنوم لساعات في ذلك الجو الجميل.
كانت طيور البحر تحلق فوق
رؤوسنا، ثم تهبط إلى جانبنا دون خوف أو وجل، وكان منظر البحر يغري الكثير
من رفقاء الرحلة بالنزول إلى البحر للسباحة، خاصة وأن البعض منهم كان قد
جهز نفسه لهذه المتعة، أحد الرفقاء أحضر معه معدات الصيد وتجهيزات أخرى،
إلا أن عدم استقرار البحر جعل بعض المشرفين على الرحلة يحذرنا من النزول
إلى البحر.
قبل مغيب شمس ذلك النهار كنا نجهز أمورنا للعودة إلى
الفندق، وفي الطريق أصر العديد من الزملاء على أن نبقى في أحد الشواطئ
للاستمتاع بجمال البحر، ولم يستطع البعض المقاومة فنزل إلى البحر رغم برودة
الماء فيه، لكن تلك المتعة انتهت بعد مرور ساعة قفلنا فيها عائدين إلى
الفندق، حيث كنا على موعد مع تراث وفن سقطرى.
عند حلول المساء كان
الجميع على موعد مع فرقة سقطرى للتراث، سرنا لمسافة تصل إلى نصف ساعة
للوصول إلى المنطقة التي احتضنت مساء دافئاً، حيث حضر العشرات من أبناء
سقطرى لتقديم وصلات فنية تحاكي فن وتراث سقطرى، فأنعش الشباب الذين يمثلون
الفرقة الجو المسائي الدافئ برقصات شارك فيه معظم الحاضرين.
قبل تقديم
الرقصات التراثية لسقطرى كان الشاب فهد سليم كفاين، يتحدث عن الجهود التي
تبذلها جمعيته للحفاظ على التراث السقطري من خلال توثيق اللغة السقطرية
التي يتحدث بها أبناء الجزيرة والجزر المجاورة لها، وقدم عرضاً لهذه الجهود
التي قال إنه ينبغي على الجميع المساهمة فيها لإبقاء اللغة حاضرة وعدم
ضياعها، وهذا دفع ببعض الرفقاء لإعلان تبرعات بمبالغ محترمة لدعم الجمعية
للقيام بواجبها كان من بينهم فتحي عبد الواسع، الذي أعلن عن تبرعه بمليون
ريال.
بدأت رحلة
التعرف على سقطرى انطلاقاً من المتحف الذي يقع بالقرب من حديبو العاصمة،
كانت السيارات التي أقلت الفريق المكون من 20 "فضولياً"، المحب للمعرفة،
والمتشوق للجزيرة، تفرغ حمولتها من الركاب في المتحف الذي يرأسه محمد عامر،
أحد أبناء الجزيرة الذين يطالبون بإحداث نقلة نوعية في حياة أبناء
الجزيرة.
في متحف سقطرى
المتحف كان بسيطاً،
لكنه مليء بالمعلومات، زاخر بالمعرفة، فقد بذل فيه الكثير من الجهد ليخرج
إلى النور، كانت مهمة محمد عامر هو تعريف الزائرين بما تحويه الجزيرة من
حياة طبيعية في السهل والجبل والبحر، من أشجار وطيور وحيوانات وأسماك بحرية
وغيرها، وقد تدافعنا للاستماع إلى الشرح الذي قام به محمد عامر وموظف آخر
في المتحف يدعى عبد الرقيب عن "كنز سقطرى".
يقول عامر في حديث مع
"السياسية" إن جزيرة سقطرى هي جزيرة بيئية بشكل عام، وهي مصنفة كرابع جزيرة
بيئية في العالم، وخلال العشر السنوات الماضية تم إنشاء فرع في الجزيرة
تابع للهيئة العامة لحماية البيئة، كما تم جذب الكثير من المنظمات الدولية
إلى الجزيرة خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث تم التركيز على النبش في
مخزون سقطرى من حيث التنوع الفريد الذي تمتاز به.
وجد الباحثون
والمنظمات الدولية في سقطرى ما يبحثون عنه، بل وأكثر، برأي عامر فإن
النتائج كانت "مذهلة"، لقد وجد الخبراء والباحثون الذين تقاطروا على
الجزيرة لدراسة جغرافيتها وبيئتها أن سقطرى عالم آخر تماماً، يضيف عامر إن
الخبراء وجدوا في سقطرى ما لم يجدوه في مكان آخر، واعتبروها من أندر
المناطق وأكثرها حيوية في العالم.
يشير عامر إلى أنه "تم اكتشاف
ثلاثمائة وثمانية أنواع من النباتات النادرة في سقطرى، كما تم تسجيل عشرة
أنواع من أنواع الطيور التي لا توجد إلا في سقطرى، إضافة إلى جوانب أخرى
مثل الحشرات والفراشات، ويقول إن أنواع الحشرات في الجزيرة متكاملة
تقريباً، أي أنها حشرات مستوطنة، وهناك التنوع الفريد في البحر مثل الأحياء
السمكية والشعب المرجانية، بالإضافة إلى المناخ أو التربة كجيولوجيا.
فكرة
إنشاء المتحف جاءت ثمرة تعاون بين الحكومة اليمنية ممثلة بالهيئة العامة
لحماية البيئة وحكومة تشيكيا، كانت البداية تتمثل في تجميع عينات مختلفة
سواءً كانت عينات حيوانية أو حشرية على أساس يتم تحنيطها في معامل في دولة
تشيكيا ومن ثم توضع في أماكن آمنة لتبقى لمدة طويلة قبل أن تتم إعادتها إلى
سقطرى تكون متاحة للزوار والمحبين لمعرفة سقطرى وما تحويه من تنوع نباتي
وحيواني وسمكي وجيولوجي.
ويشير عامر إلى أنه، بموجب المشروع، تم تحنيط
ما تسير من الحشرات والحيوانات وتم وضعها في المتحف القائم اليوم في سقطرى،
بحيث يتمكن من خلالها الزائر أن يتعرف على نماذج من البيئات المختلفة
لجزيرة سقطرى، وهو ما تمكنا من معرفته أثناء الشرح الذي احتوته غرفتان
صغيرتان ضمتا كل شيء تقريباً.
على الرغم من الإنجازات التي تحققت في
هذا المجال فإن عامر السقطري يرغب في المزيد، يقول في هذا الخصوص
لـ"السياسية": "الهيئة العامة لحماية البيئة ومعها وزارة المياه والموارد
البيئية بذلت جهداً غير عادي، لإنجاز المشروع، بخاصة وأن الجزيرة كانت
تعتبر خلال الفترة الماضية منطقة معزولة تماماً، فقد جاء الزخم البحثي
للتعريف بسقطرى ليكون معرفاً بتأريخ الجزيرة، ووصلت التلفزة العالمية إلى
سقطرى، حيث تم الترويج لسقطرى على أنها منطقة هامة لغرض جلب السياحة
النوعية"، ويشير إلى أن "السقطريين يريدون سياحة نوعية وليست سياحة
مفتوحة".
يحتاج المتحف القائم اليوم إلى توسعة أكبر وإلى طريقة أفضل في
العرض وإلى إمكانية أكبر لتحويله إلى متحف مفتوح يكون قادراً على إشباع
المهتمين بتأريخ جزيرة سقطرى، مثل هذه المشاريع تحتاج جهداً كبيراً من
الدولة، بالإضافة إلى رجال الأعمال، الذين بإمكانهم أن يكتبوا بتعاونهم
تأريخاً جديداً لسقطرى.
لا تبدو المهمة مقصورة على الهيئة العامة
لحماية البيئة، رغم أن ذلك يدخل في صميم عملها، ويدرك الأستاذ عبد الرحمن
فضل الإرياني، وزير المياه والبيئة هذه القضية، وهو يبدي تعاوناً مع
السلطات المحلية لجزيرة سقطرى، إلا أن ميزانية الوزارة لا تسمح بذلك فقد
انخفض مخصصها السنوي من 26 مليون ريال إلى 16 مليون فقط، وهذا مبلغ لا يفي
لتنفيذ مشاريع طموحة.
كيف تتوزع سقطرى من حيث التنوع في مناطقها
الجبلية منها والسهلية، وهل نجحت السلطات المحلية بتقديم الجزيرة على الوجه
الأفضل لزائريها؟
تبدو السلطة المحلية مكتفة الأيدي في تنفيذ مشاريع
عملاقة، فالذي يتجول في مناطق الجزيرة بين شرق وغرب وشمال وجنوب، يجد أن
الطبيعة لا تزال هي صاحبة الكلمة العليا في الجزيرة، فيد الدولة لا تزال
قصيرة وعينها ليست بصيرة، بعض المناطق التي تمتاز بمناظر خلابة تختفي فيها
المشاريع التطويرية بشكل كامل.
لا يخفي البعض من أبناء سقطرى رفضه من
هجمة مدنية لقلب الجزيرة وتغيير ملامحها، فهذا البعض يفضل كما لو أن
الأشياء تبقى كما هي دون تغيير؛ لأن المشاريع التطويرية، برأيهم، يمكن أن
تقضي على الكثير من مميزات الجزيرة، بعض من المرافقين لنا أثناء صعودنا إلى
كهف يدعى "حُق" كان يغضب عندما يرى بعض السياح والزوار اليمنيين يرمي
بقناني المياه الفارغة على الطريق، فبرأيه يعد هذا تشويها للبيئة، رغم أنه
لا يبدو عليه أنه تعلم تعليماً عالياً، لكنه يرى أن السكوت على هذه
التصرفات يقتل البيئة التي حافظ ويحافظ عليها السقطري طوال حياته.
تبدو
غيرة السقطري على جزيرته كبيرة، لهذا خصصت السلطات المحلية محميات طبيعية
تكون هدفاً للسائح الأجنبي والزائر اليمني، حيث تم التعرف على هذه المناطق
بواسطة أبناء الجزيرة والباحثين الذين قسموا الجزيرة إلى مجموعة من
المحميات البحرية والجبلية ذات التنوع الفريد في طبيعتها، خاصة تلك المناطق
التي توجد فيها نسبة عالية جداً من النباتات المتوطنة، وعددها قليل مقارنة
بمساحة سقطرى.
يقول عامر إنه تم تحديد مستويات لهذه المحميات، المستوى
الأول يتمثل في المحميات الطبيعية. والمستوى الثاني هي مناطق الموارد
الطبيعية. أما المستوى الثالث فيتمثل في المتنزهات الوطنية ومناطق
الاستخدام العام، حيث حددت المناطق السكانية للتمدد المستقبلي، وهي مناطق
بإمكان السكان أن يبنون ويحفرون في التربة، ماعدا ما يتصل بالصناعات
الثقيلة الملوثة للبيئة.
إقبال أجنبي
لكن
ماذا يجذب السائح في سقطرى؟ يقول عامر إن سقطرى بكاملها تجذب السائح
والزائر، لكن برأيه هناك أذواق مختلفة للسياح، فالبعض يهوى البحر للسباحة،
حيث يمتاز بحر سقطرى بالشواطئ الرائعة جداً، كما أنها نظيفة، وهي تجذب
الراغبين في هذا النوع من السياحة، وهناك نوع من السياح تستهويهم المناظر
الطبيعية، وتنوعها هي الأخرى فريد، سواء جيولوجي أو نباتي أو تكوين الجبال
وطبيعية المناخ الموجود في سقطرى، فسقطرى على رغم صغر مساحتها، والكلام
للسقطري عامر، فيها اختلاف كثير في مناخها، هناك مناطق تكون حارة نسبياً في
أوقات الصيف ومناطق باردة في الفصل نفسه.
طوال الأيام الثلاث التي
قضيناها في جزيرة سقطرى كان الأجانب يملؤون الفنادق والمحميات البرية
والبحرية، كان هناك العشرات، إن لم يكن المئات من الإيطاليين والفرنسيين
وغيرهم يتجولون في الجزيرة، باحثين عن متعة لا يجدوها في بلدانهم، كان
الفندقان الرئيسان في الجزيرة ممتلئين بنزلائهما، وكان السقطريون ممن
يتحدثون لغات أجنبية، يحيطون بهم ويشرفون على تنظيم برامج سياحية متميزة
لهم في الجزيرة.
لم يكونوا، ونحن أيضاً، لنبقى في غرف الفندق إلا عند
المبيت، فقد كان الفندق الذي نزلنا فيه، مبنى لدار الضيافة في عهد الحزب
الاشتراكي اليمني الذي كان يدير جزيرة سقطرى من عدن، وقد جرى تغييره بشكل
كامل من قبل أحد المستثمرين، وتحول إلى فندق عصري، حديث يوفر لنزلائه
الخدمات التي يطلبها أي نزيل، فغرف الفندق رغم أنها صغيرة، إلا أنها نظيفة
ومرتبة وتؤدي الغرض، وهناك مطعم يوفر على مدار الساعة ما يحتاجه النزيل.
لكن
ما يسيء إلى الفندق الجميل هو ذلك الطريق السيئ الذي يصله بالمدينة، إن
هذا يسيء إلى الفندق، وأعتقد أن من يستثمره قادر على رصف الطريق إليه، وهو
طريق لا يتعدى طوله خمسمائة متر لا غير، كما أن حلول الظلام في ظل غياب
الكهرباء يحول الفندق إلى مكان مظلم، مع أن المنطقة آمنة ولا خوف من وقوع
أية حوادث أمنية.
يقع "فندق سمرلاند" في قلب مدينة حديبو، العاصمة،
وأسعار الغرف فيه تبدو معقولة للأجنبي أكثر من اليمني، الذي يحتاج إلى
أسعار خاصة ليتحول إلى مقصد سياحي للجميع، ولا بد أن يترافق ذلك مع تخفيض
أسعار تذاكر الطيران حتى تصبح السياحة في الجزيرة أمراً ممكناً.
لا
يبدو أن هناك خوفاً على السياح الأجانب في سقطرى، فهم يتجولون بحرية محاطون
بحب السقطريين الذين يتعاملون معهم بنوع من الألفة حيثما ذهبوا، فهم يجدون
الاهتمام الكبير من أبناء الجزيرة، فتراهم يسيرون بدون حراسات أو أطقم
عسكرية، رأينا العشرات من السياح وهم يتناولون الطعام في بعض المطاعم
الشعبية في الجزيرة، رغم قلتها، كما كانوا أيضاً يتواجدون في الأماكن التي
تشكل مصدر جذب سياحي كبير من دون أية مظاهر عسكرية.
في محمية "ذي حمري"
كان العشرات من السياح يستلقون على شاطئ البحر والبعض منهم كان يحتمي داخل
خيم نصبت في المكان، لتناول الطعام أو لتغيير ملابس السباحة، لكن معظم
السياح في الجزيرة وممن التقيناهم في محمية ذي حمري كانوا من كبار السن،
أمام أولئك الذين كانوا يتسلقون جبلا لمدة ساعتين تقريباً للوصول إلى كهف
"حُق" فقد كانوا من الشباب.
في محمية ذي حمري
تبدو
محمية "ذي حمري" منطقة جاذبة للسياح الأجانب، كما حال مناطق أخرى مثل
"عرهر" ذي الشاطئ الساحر والجميل، والوصول إليها يتطلب قطع مسافة تصل إلى
أكثر من نصف ساعة بسيارة "لاند كروزر"، وهي السيارات التي تستخدم في الغالب
في الجزيرة، قبل نحو خمسة كيلومترات من الوصول إلى المحمية ينقطع الطريق
الإسفلتي، فيضطر سائقو السيارات المهرة إلى التعامل مع طرق ترابية للوصول
إلى المحمية.
كان معنا شاب سقطري نبيه يدعى "نور الدين"، كان مثل غيره
من الشباب السقطري الذين توزعوا على سيارات تقل الفريق الزائر، كان "نور
الدين" يجيد الحديث عن خصائص الجزيرة وعن عادات وتقاليد أبنائها، كان يتحدث
عن بعض المعالم التي تركها "الإخوة الأعداء" قبل الوحدة، في إحدى المناطق
استوقفنا "نور" ليرينا ما صار يعرف في سقطرى بمجزرة وقع ضحيتها عدد من
أبناء جزيرة سقطرى عام 1974، بعد الوحدة تم عمل لوحة كتب عليها أسماء
الضحايا وزمان ويوم المجزرة، كان هذا المكان يقع قبل كيلومترات قليلة من
الوصول إلى محمية "ذي حمري".
في الطريق إلى المحمية كان نور الدين،
الذي يملك وكالة للسياحة يتولى بنفسه ترتيب الزيارات ومواعيد وأماكن تناول
الطعام للفريق، كنا أحياناً نصمت لنسمع ما يدور بينه وبين بعض زملائه من
حديث باللهجة السقطرية، فلا نفهم شيئاً، وكان يدفعنا الفضول لمعرفة ذلك،
فيقوم بشرح طبيعة الحديث بينه وزملائه.
كان "نور" ودوداً، لا يرفض الرد
على أي سؤال، وطوال الطريق كنا نمطره بالأسئلة عن عادات وتقاليد أبناء
الجزيرة، والمناطق التي تمتاز بها، وكانت هناك في الرؤوس سؤال عما يتردد عن
وجود السحر في سقطرى، كان هذا الموضوع قد حذرنا منه بعض الأصدقاء في
صنعاء، أحدهم قال لي إن الجن في سقطرى يسيرون معك أينما ذهبت، بل أنه ذهب
إلى أكثر من ذلك بالقول إن الجن يرفعونك من على الأرض وأنت تمشي عليها.
ويؤكد ثان أن المبيت في جزيرة سقطرى مستحيل وأن من يزورها يعود في نفس
اليوم ولا ينام فيها أبداً، رد علينا "نور الدين" مثلما توقعنا، ليس هناك
ما يخيف ولا صحة لما يتردد عن الجن والسحر والشعوذة في جزيرة سقطرى، وفسر
نور هذه الأنباء إلى عهود ماضية عندما كان يتم نفي البعض من عدن أيام
الاستعمار البريطاني إلى جزيرة سقطرى، حيث يختفي هناك، ولكن بفعل الإنسان
وليس بفعل الجن وغيرها من الأوهام.
بين الطريق الإسفلتي ومحمية "ذي
حمري" طريق ترابي ترفض السلطات المحلية تعبيده، وحتى السياح يرون في بقائه
أفضل مما لو تم تعبيده أو رصفه، لأنه يبعد عن المحمية توحش المدنية، البعض
يقول إنه لو تم تعبيد الطريق بالإسفلت فإن ذلك سيقضي على خصائص المحمية
البحرية، التي لا تزال متروكة كما هي بدون تدخل أحد.
في الطريق إلى
محمية ذي حمري تتناثر المنازل المبنية من الحجر وبجهود محلية هنا وهناك،
يستقبلك الصغار بالتحيات من أيديهم والكبار بابتسامة تعبر عن الترحيب، هم
يعلمون أن الجزيرة صارت مقصداً للزوار، خاصة في هذه الأيام حيث الجو جميل
وبديع، وطوال رحلتنا التي استمرت لثلاثة أيام لم نجد متسولاً في الجزيرة،
أو من يطلب منك نقوداً، حتى أن مسؤولاً محلياً لام بعض الزملاء ونحن في
قلنسية قبل عودتنا إلى صنعاء، عندما قام بمنح بعض الصغار نقوداً حتى لا
تكون سابقة فيتعود الصغار على طلب النقود من السياح.
رغم فقر الناس فإن
التسول يدخل ضمن العيب في جزيرة سقطرى، ولا تجد طفلاً أو مسناً يمد يده
للغريب القادم من خارج سقطرى، الأمر لا يتعلق بالغنى والفقر، لكنه يدخل في
صميم السلوك بالنسبة لابن سقطرى، الذي لم تؤثر عليه نوائب الدنيا.
قضينا
نهاراً جميلاً في محمية "ذي حمري" في أول يوم وطأت فيه أقدامنا أرض
الجزيرة، هناك تناولنا الغداء، بحسب ما كان مخططاً له، كان منظر البحر في
المحمية لا يوصف، استنشقنا هواء نقياً لأول مرة في بحر بلا ملوثات، لدرجة
دفعت بالأستاذ توفيق جابر، سفير تونس ومحمد الأمين، سفير موريتانيا،
للاقتراح بالنوم لساعات في ذلك الجو الجميل.
كانت طيور البحر تحلق فوق
رؤوسنا، ثم تهبط إلى جانبنا دون خوف أو وجل، وكان منظر البحر يغري الكثير
من رفقاء الرحلة بالنزول إلى البحر للسباحة، خاصة وأن البعض منهم كان قد
جهز نفسه لهذه المتعة، أحد الرفقاء أحضر معه معدات الصيد وتجهيزات أخرى،
إلا أن عدم استقرار البحر جعل بعض المشرفين على الرحلة يحذرنا من النزول
إلى البحر.
قبل مغيب شمس ذلك النهار كنا نجهز أمورنا للعودة إلى
الفندق، وفي الطريق أصر العديد من الزملاء على أن نبقى في أحد الشواطئ
للاستمتاع بجمال البحر، ولم يستطع البعض المقاومة فنزل إلى البحر رغم برودة
الماء فيه، لكن تلك المتعة انتهت بعد مرور ساعة قفلنا فيها عائدين إلى
الفندق، حيث كنا على موعد مع تراث وفن سقطرى.
عند حلول المساء كان
الجميع على موعد مع فرقة سقطرى للتراث، سرنا لمسافة تصل إلى نصف ساعة
للوصول إلى المنطقة التي احتضنت مساء دافئاً، حيث حضر العشرات من أبناء
سقطرى لتقديم وصلات فنية تحاكي فن وتراث سقطرى، فأنعش الشباب الذين يمثلون
الفرقة الجو المسائي الدافئ برقصات شارك فيه معظم الحاضرين.
قبل تقديم
الرقصات التراثية لسقطرى كان الشاب فهد سليم كفاين، يتحدث عن الجهود التي
تبذلها جمعيته للحفاظ على التراث السقطري من خلال توثيق اللغة السقطرية
التي يتحدث بها أبناء الجزيرة والجزر المجاورة لها، وقدم عرضاً لهذه الجهود
التي قال إنه ينبغي على الجميع المساهمة فيها لإبقاء اللغة حاضرة وعدم
ضياعها، وهذا دفع ببعض الرفقاء لإعلان تبرعات بمبالغ محترمة لدعم الجمعية
للقيام بواجبها كان من بينهم فتحي عبد الواسع، الذي أعلن عن تبرعه بمليون
ريال.