جمعية الدارسين بتشيكيا وسلوفاكيا حضرموت

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
جمعية الدارسين بتشيكيا وسلوفاكيا حضرموت

منتدي لربط اعضاء جمعية الدارسين بتشيكيا وسلوفاكيا في حضرموت للتعارف وتبادل الاراء والافكار وتوطيد العلاقات فيما بينهم


    العاصمة الذهبية :براغ «سيمفونية» التاريخ و«كريستالة» الجمـــال تحتفي بالماضي وتغني للحداثة

    avatar
    marcel


    عدد المساهمات : 240
    تاريخ التسجيل : 13/06/2009

     العاصمة الذهبية :براغ «سيمفونية» التاريخ و«كريستالة» الجمـــال تحتفي بالماضي وتغني للحداثة  Empty العاصمة الذهبية :براغ «سيمفونية» التاريخ و«كريستالة» الجمـــال تحتفي بالماضي وتغني للحداثة

    مُساهمة  marcel الأحد أكتوبر 23, 2011 5:56 am

    راغ : نور سليمان :
    قطعة من التاريخ وكريستالة الجغرافيا، ما ان تطأها قدم الزائر حتى يصطحبه التاريخ في رحلة تمتد ألف سنة، هي عمر المدينة، تبدأ بدقات الزمن عند ساعة أورلوي الفلكية الشهيرة في وسط العاصمة، وتمر بنهر فالتافا الذي يشق المدينة، وتنتهي في قلعة الرئاسة التاريخية، التي لا تكتمل زيارة البلاد إلا بالسلام على رئيسها.

    تلك طقوس من المشهد السياحي الكبير في العاصمة التشيكية براغ، أو «براها» كما يسميها أهلها. المدينة التي اختارها الشاعر العربي مهدي الجواهري منفاً اختياري لثلاثين عاماً، وخلدها في قصائده، ارتبطت في الوعي السياسي العالمي بما سمي ربيع براغ في العام ‬1968، الذي استهدف إصلاح الاشتراكية، وبالثورة المخملية التي أنهت النظام الشيوعي في عام ‬1989، وفي الوعي الثقافي والفني العالمي بالكاتبين فرانتس كافكا وميلان كونديرا، والموسيقار العالمي موزارت، وجملة من الفنانين التشكيليين والمعماريين، كما ارتبطت بالوعي العالمي أيضاً بأنها مدينة الكريستال البوهيمي.
    مقر الملوك :
    لكن لا يمكن زيارة براغ، حيث يحضر الفن في كل مكان، من دون استحضار الماضي والقراءة في حاضرها، خصوصاً أنها دخلت العولمة من أوسع أبوابها. فقد مثّلت منذ تأسيسها في وسط منطقة بوهيميا التاريخية، المركز الأساسي لأقدم حكم ملكي في بوهيميا، ومقراً لملوكها. وأقام هؤلاء في القلعة التي بناها البارون بور جيفوي عام ‬880، والتي سرعان ما تحولت مقراً لسائر الملوك ورؤساء الجمهورية حتى اليوم، والتي تشكل أحد أهم المزارات السياحية في المدينة، وتوسعت وكبرت على مر العصور بأنماط معمارية مختلفة، حتى صارت أكبر قلاع أوروبا.
    وازدهرت براغ فعلياً في القرن الرابع عشر على يد الملك كارل أو تشارلز الرابع، الذي وسع قلعتها وبنى جسر تشارلز الشهير، والذي يمتد مسافة ‬516 متراً طولاً، وعشرة أمتار عرضاً، فوق نهر فلتافا، ثم تعاقبت عليها الغزوات الخارجية من النمساويين وقبائل القوط والألمان والروس. لكن حرب السنوات الثلاثين، التي أنهت حكم الملك رودولف، كانت كارثة حقيقية، اختفى خلالها الشعب التشيكي تقريباً، لأن البروتستانت أعادوا تحويل البلاد بالقوة إلى الكاثوليكية، وما تبع ذلك من تغيرات اجتماعية.

    ماضي براغ، التي توصف بأنها أم المدائن ومدينة الأبراج والجسور، حاضر في كل حي ومبنى ومقهى. فهي متحف مفتوح، لا يمكن للزائر تفحص محتوياته في أيام، عدا عن متعة التجول، فهي متعة بصرية تغوص في عمق التاريخ. براغ التي بنيت فوق خمسة تلال، على ضفتي نهر فلتافا، ولها العديد من الأسماء، مثل قلب أوروبا، ومدينة السحر والخيال والفن والموسيقى، تبدو ملفحة بسحر عظمتها وماضيها. فمنذ العصور الوسطى عرفت كإحدى أجمل مدن العالم، وأضفى تعاقب الأنظمة السياسية عليها لمسة سحرية نادرة، حيث اختلطت المدارس والتيارات المعمارية كافة لتكوّن وحدة عضوية تمثلها الأبنية التاريخية، بدءاً بالقلاع المستديرة المقبّبة، الرومانسية الطراز، مروراً بالأبراج القوطية التي تتسم بالأقواس والدعائم البارزة والعقود المضلّعة، وتنسب إلى قبائل القوط الجرمانية، والبيوت والقصور الأرستقراطية على طراز مدرسة النهضة، وصولاً إلى المعابد اليهودية والكنائس والأديرة على الطراز الباروكي الغريب، وغير المتناسق، والذي يتميز بالضخامة والتفاصيل المثيرة، جنباً إلى جنب مع مدرسة المعمار الحديث، فهي بهذا الخليط المتنوع والمبهر أشبه بسيمفونية أحجار، كما شبهها يوماً أحد الشعراء، عاكساً بذلك تماماً طبيعتها وجمالها الفريد. وهي بخلاف الكثير من مدن أوروبا الوسطى لم تدمر بشكل كبير في الحرب العالمية الثانية، فاحتفظت بكنوزها الأثرية.

    براغ الآن، التي يبلغ عدد سكانها ‬1,2 مليون نسمة، خليط من التاريخ والحداثة، والسياسة والحروب، والثقافة والفن والموسيقى، والمعمار والطبيعة، توصف بأنها مدينة متقلبة، كما هو كافكا في أدبه، بسبب تقلب الأنظمة والمذاهب فيها، بفعل ويلات الصراعات التي عانت منها أوروبا في القرون الوسطى، لكن نهر فالتافا، الذي يعبر المدينة منذ نشأت، يهمس خريره في أذن الزائر من تحت جسر تشارلز، أجمل كنوز براغ المعمارية. إن المدينة رغم كل التقلبات السياسية والمذهبية ما زالت مدينة السحر والجمال والثقافة والفن، تتسع رئتها لكل الأجناس والألوان من البشر، توفر لهم كل ما يحتاجونه من أرقى الخدمات التسويقية والفندقية إلى العروض اليومية للفن الشعبي في شوارعها والعروض المسرحية والموسيقية لأشهر الفرق العالمية.
    تراث عالمي :
    هي مدينة أبقت كتاب تاريخها مفتوحاً يستقطب ملايين السياح سنوياً لقراءته، يتمنى الزائر فيها الضياع في طرق وأزقة الجزء القديم منها، الذي أصبح تراثاً إنسانياً عالمياً محمياً من قبل اليونسكو، يحظر المساس به منذ العام ‬1992. فالسير عبر طرقات المدينة القديمة أشبه بتصفح كتاب يقرأ فيه الزائر المباني التاريخية، فلكل بناية حكاية، جاءت من زمن مختلف، لتشكل معاً لوحة معمارية فريدة. ولكل رصيف تاريخ، يستوقفك فيه عازف في الطريق، مذكراً إياك بموسيقى ابن المدينة موزارت، أو تجذبك واجهة محل لبيع الكريستال، لتدهشك التصميمات المثيرة، أو المهرجانات الشعبية التي تجول ساحات المدينة، فيما تبقى مقاهيها واحدة من الأمكنة التي تسحر الزائر بمعمارها وتاريخها.

    في براغ فرصة للمعماري والفنان والموسيقي والتشكيلي لأن يجد ضالته، حيث يحضر الفن في كل مكان، وبفضل ذلك تحولت المدينة بعد سقوط النظام الاشتراكي في العام ‬1989 إلى إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم. ومن أجمل المشاهد تلك الجموع البشرية الهائلة التي تجوب شوارع المدينة، أو فوق جسر تشارلز، أو في قلعة الرئاسة التاريخية، باحثة عن سلعة للتسوق أو مكان لالتقاط صورة للذكرى، أو مشاهدة المدينة من فوق واحد من أبراج المدينة المئة.
    في تلك الجموع يرى الزائر كل أوروبا، جاءت إلى مدينة تفتح ذراعيها إلى كل الثقافات والجنسيات، ويزداد المشهد جمالًا حين ترى مجموعة من السياح الكوريين أو اليابانيين بين تلك الجموع، فيزيدوا الصورة جمالًا والمدينة عالمية، فهي لكل من يأتي إليها تُبرز واحداً من وجوهها الجميلة.

    ليس في براغ اليوم ما يشير إلى أنها كانت في الماضي القريب إحدى دول أوروبا الشرقية، التي كانت أقل تطوراً وأكثر فقراً من دول أوروبا الغربية، ففيها اليوم مطار حديث، ونظام مواصلات متكامل للنقل الجماعي بالحافلات والمترو، وتضم أسواقاً حديثة تتوفر فيها مشغولات الكريستال والسيراميك البوهيمي، التي تسيطر على المشهد التجاري في المدينة، إلى جانب السلع والماركات العالمية ومطاعم الوجبات السريعة التي تنتشر في المدينة بكثافة، ولعل شارع باريس المتفرع من ساحة البلدية في وسط البلدة القديمة شاهد على ذلك، قبل أن ينقلك إلى فندق «إنتر كونتيننتال» أبرز العلامات الفندقية العالمية التي دخلت إلى البلاد، منذ تحولها إلى الرأسمالية في العام ‬1989، ليصل مجموع الفنادق في المدينة اليوم إلى نحو ‬250 فندقاً من مختلف الدرجات والعلامات العالمية. وجذبت المدينة في الفترة الأخيرة اهتمام منتجي الأفلام، حيث تم تسجيل عشرات الأفلام فيها، أبرزها الجزء الثالث من فيلم المهمة المستحيلة للممثل العالمي توم كروز.
    ويرى البعض أن تشيكيا بذلت جهداً استثنائياً، ونجحت خلال عشرة أعوام في الانتقال من الاقتصاد الموجّه إلى اقتصاد السوق، بما يلائم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وشبه البعض تحولها بأنه انتقال مباشر من القرون الوسطى إلى الحداثة الغربية. وقد يكون «الكورون» الصلة الوحيدة التي لا تزال تربط تشيكيا بالماضي الاشتراكي، لكنه رابط شكلي، فاليورو حاضر في كل التعاملات اليومية. ومن المقرر قطع هذه الصلة في العام ‬2012، موعد انضمام البلاد إلى منطقة اليورو الأوروبية، استكمالًا لعضويتها في الاتحاد الأوروبي.
    وجهة عالمية :
    تستقبل البلاد سنوياً سيّاحاً يزيدون على عدد سكانها البالغ نحو ‬11 مليون نسمة، يستهدفون براغ أولاً، ومعظمهم سياح أوروبيون جاؤوا بالدرجة الأولى من ألمانيا والمملكة المتحدة وروسيا براً، بالسيارات أو القطارات، ليستفيدوا من رخص الأسعار بالنسبة لبقية بلدان الاتحاد الأوروبي، وأنفقوا في العام ‬2008 ـــ وفقاً لاحصاءات رسمية ـــ نحو ثمانية مليارات دولار، منها ‬73,7٪ على التسوق.

    ويجتذب المركز التاريخي القديم للعاصمة التشيكية، المتنوع بما يشتهيه المرء، سكان وزوار براغ، بفضل الوحدة العضوية والتكامل الفريد بين كل المدارس والتيارات المعمارية لمبانيه وآثاره التاريخية، غير أن الكنوز المعمارية في مركز براغ التاريخي، والدروب الرومانسية البالغة القيمة، ليست مجرد شهود حجرية على الماضي. فبراغ كانت ولا تزال مدينة حية، يلتقي فيها عدد غير معهود من المسارح، وقاعات العروض الموسيقية، والمعارض، والمتاحف، والغاليريات، وجميعها يعرض الكثير من منتجات الثقافة.

    من الأماكن التي لا تنسى في براغ قلعتها المرتفعة المطلة على المدينة، والتي تعطي الزائر مشهداً بانورامياً لكامل أنحاء المدينة، مثل برج البلدية على الضفة الأخرى من نهر فالتافا. فهي أكبر قلاع العالم، ومقر الحكام في تشيكيا على مر العصور، منذ زمن حكام المنطقة الرومان وملوك بوهيميا، وحكام العهد الشيوعي، حتى حكام فترة ما بعد الشيوعية، وتقع في الجزء الشرقي من براغ، وتحديداً في حي القلعة التاريخي، الذي يطل على كل المدينة، وكأنه يهيمن عليها.
    الساعة الفلكية :
    أما ساعة أورلوي الفلكية، التي يزيد عمرها على ‬700 عام، والمعلقة على جدار دار البلدية وسط المدينة، فتحظى بشغف سياحي نادر، حيث يتدفق إليها عشرات الآلاف من السياح والزوار المحليين لمشاهدتها يومياً، لاسيما على رأس كل ساعة، وضبط أوقاتهم مع وقت هذه الساعة، التي تضبط أيضاً وقت سكان براغ منذ عشرات السنين، نظراً لدقتها ولوجودها وسط المدينة.
    وتضم الساعة ثلاثة أجزاء رئيسية، الأول يشكلها الجزء الفلكي الذي يشير إلى مواقع الأجسام السماوية، والثاني يتضمن روزنامة أو تقويماً على شكل دائرة، فيما يتضمن الجزء الثالث تماثيل خشبية صغيرة للحواريين، تتحرك بشكل دائري كل ساعة، إضافة إلى تماثيل أخرى. وتوجد في أعلى البرج المعلقة عليه الساعة نافذتان، تُفتحان عند رأس كل ساعة، ليطل الحواريون منهما بترافق مع قرع للأجراس، وحركات تؤديها تماثيل لهياكل عظمية صغيرة، أما عند الانتهاء من التنبيه إلى الوقت؛ فيخفق ديك بجناحيه، معلناً اكتمال الساعة، كما كان يحدث قبل عدة قرون.
    وتشكل الساحة القديمة فيها أحد أبرز المعالم السياحية التي يقصدها كل زائر للعاصمة التشيكية، بالنظر لكون الانطلاق يتم منها نحو جسر تشارلز، قبل أن يعرج الزائر على حي مالا سترانا الأكثر رومانسية، بفضل تنوع وجمال معماره وحدائقه الزاهية المتنوعة.
    أما نهر فلتافا، حيث الطيور والنوارس والسماء الغائمة، والجولات النهرية بالزوارق، والاستمتاع بالمناظر الطبيعية التي تحيط بالنهر، فالزائر تأخذه غفوة نوم قصيرة على ضفافه، وهو يستمع لموسيقى موزارت، تنبعث من مسرح في الساحة القديمة المجاورة.
    ويجتذب مسرح «اللاترنا ماجيكا» ـــ والذي يعني بالعربية مسرح «المصباح السحري» ـــ زوار براغ على مدار العام، بالنظر لجمعه بشكل إبداعي عدة فنون، في مشاهد متداخلة محكمة التنفيذ، وهي فن السينما والمسرح والموسيقى والرقص والمسرح الإيمائي، ولذلك لا تحتاج الأعمال التي يقدمها إلى ترجمة، لأن لغته الإيمائية عالمية كما هي براغ.

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 12:34 pm